عدد المساهمات : 76 نقاط : 227 تاريخ التسجيل : 28/05/2011
موضوع: عقاب الكافرين الخميس يونيو 02, 2011 9:56 am
عقاب جميع الكافرين وإدخالهم النار حتّى من أدّى أعمال إنسانية مفيدة لأهله ومجتمعه.
سؤال أحد المؤمنين حول عقاب جميع الكافرين وإدخالهم النار حتّى من أدّى أعمال إنسانية مفيدة لأهله ومجتمعه.
يَشهدُ العقلُ والنقلُ بأنّ كلَّ إنسان يَرى جزاءَ عملِهِ، إنْ خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فشرّ. يقول القرآنُ في هذا الصَّدد: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّة خيْراً يَرَهُ) [الزلزلة / 7 .] . ويقول أيضاً: (وأنَّ سَعْيَهُ سَوفَ يُرى * ثُمَّ يُجزاهُ الجزاءَ الأوفى)[ النجم / 40 ـ 41 .]. ويُستفاد من هذه الآيات أنَّ أعمالَ الإنسان القبيحة، لا تُزيل أعمالهُ الصالحة ولا تقضي عليها، ولكن يجب أنْ نعلم في نفس الوقت أنّ الذين يرتكبون بعضَ الذنوب الخاصّة كالكُفر والشرك، أو يَسلكون سبيلَ الإرتداد سيُصابون بالحَبط، أيْ أنّ أعمالَهم الصّالِحة تُحبط وتهلَكَ، ويَلقون في الآخرة عَذاباً أبديّاً كما يَقول سبحانه: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافرٌ فَأُوْلَئكَ حَبِطتْ أَعْمالُهُمْ في الدُّنْيا وَالآخِرةِ وَأُوْلئكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فيهَا خالدونَ)[البقرة / 217 .]. ونظراً إلى ما قلناه فإنّ كلَّ إنسان مؤمن سيَرى ثوابَ أعماله الصّالِحَة في الآخرة خيراً كانت أو شراً، إلاّ إذا ارتدّ، أو كَفَرَ، أو أشرَكَ، فإنّ ذلك سيأتي على أعماله الصالِحَة ويقضي عليها ـ كما دَلّ على ذلكَ الكتابُ والسُنّةُ ـ. ولابُدَّ من الإشارة إلى أَنّ اللهَ سبحانه وتعالى وإنْ وَعَدَ المؤمِنين بالثواب على أعمالِهم الصالِحة، وفي المقابل أوعد على الأعمال السيئة، ولكن «الوعدَ» و «الوَعيد» هذين يختلف أحدُهما عن الآخر ـ في نظر العقل ـ لأنّ العَملَ بالوعد أصلٌ عقليٌ، والتخلّفَ عنه قبيح، لأنّ في التخلّف عنه تضييعاً لِحقّ الآخرين، وإن كانَ هذا الحقُ مما أوجبَهُ الواعدُ، نفسُه على نفسهِ، وهذا بخلاف الوعيد فهو حق للمُوعِد وله الصفح عن حقه والإعراض عنه ولهذا لا مانعَ مِن أن تستر بعضُ الأعمالِ الصالِحة الحسنة قباحةَ بعض الأعمال السيئة وهو ما يُسمّى بالتكفير[كشف المراد، ص 413، المقصد 6، المسألة 7.]. وقد صَرَّحَ القرآنُ الكريمُ بكونِ بعضِ الأعمال الصّالحة الحَسَنة مكفّرةً للأعمال السَّيئة، وأحَد هذه الأعمال هو اجتناب الشخص للذنوب الكبيرة: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائرَ ما تُنْهَونَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنكُمْ سَيِئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً)[النساء / 31 .]. وكذا يكونُ لأعمال أُخرى مثل التوبة [ لاحظ التحريم / 8 .]، وصدقة السر [لاحظ البقرة / 271 .] وغير ذلكَ مِثل هذا الأثر. الخلود في الجحيم خاصّ بالكفّار إنّ الخُلودَ في عذاب جهنّم خاصّ بِالكفّار، وأمّا المؤمنون العُصاة الذين أشرقت أرواحهم بنورِ التوحيد، فطريقُ المغفرة والخروج من النار غير مسدودة عليهم كما يقولُ اللهُ تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمنَ يَشَاءُ وَمَن يُشْرِك بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) [النساء / 48 .]. إنّ الآيةَ المذكورةَ الّتي تخبرُ بِصراحة عَن إمكان المغفرة والعفو عن جميع الذنوب (ما عدا الشرك) ناظرة ـ من دون شَكٍّ ـ إلى أُولئك الّذين ماتُوا من دون توبة، لأنّ جميعَ الذنوب والمعاصي ـ حتى الشرك ـ يشملُها العفوُ والغفرانُ إذا تابَ عنها الإنسانُ. وحيث إنّ هذه الآية فَرَّقت بين المشرك وغير المشرك، وَجَب أن نقول: إنّها تحكي عن إمكان مغفرةِ من ماتوا من دونِ توبة. ومن الواضح أنّ مثلَ هذا الإنسان إذا كان مشركاً لم يغفرِ اللهُ له، وأمّا إذا لم يكنْ مُشركاً فيمكنهُ أن يأمَل في عَفو اللهِ ويَطمع في غفرانه ولكن لا بشكل قَطعيّ وحتميّ، إنما يحظى بالعفو والغفران من تعلَّقت الإرادةُ والمشيئةُ الإلهيّةُ بمغفرته. فإنّ قَيْد «لِمنْ يَشاءُ» في الآية تضعُ العُصاة والمُذنبين بين حالَتي «الخَوْف» و «الرَّجاءِ» وتحثهم على التوقّي من الخطر وهو التوبة قبلَ الموت. ولهذا فإنّ الوَعدَ المذكور يدفع بالإنسان على طريق التربية المستقيم، بإبعاده عن منزلَق «اليَأس» و «التجرّي».